سُئلت د. شريفة السّنيدي - حفظها الله وأيّدها -:
في بداية الطلب يعيش الطالب نهمة كبيرة في الطلب، وبالتالي يقع في مُنزلق التّشتت، فما الحل؟
فأجابت:
تعانون يا بناتي من هذه المشكلة؟
- هذه المشكلة يا بناتي تعرفون ما سببها؟
أعظم سبب لهذه المشكلة: هو طلبّ العلم لغير العمل، أنكِ تُشغلين نفسكِ في البدايات في طلب ما لا يترتب عليه عملكِ، فيؤثر عليكِ التشتت واختلاف المشارب، لكن لو أنكِ من البداية تنشغلين في ماذا أعمل، وتبدئين بتعلم الفرائض التي أفترضها الله عزوجل عليكِ، وتطبّقين، كُلّ معلومة تأخذينها تطبّقينها،والله يا بنات ما وجدتِ وقت للتّشتت أصلاً، صح ولا لا؟
- لكن لأنك تقرئين هذا مُصطلح الحديث وهذه البيقونية وهذه الأجرومية وغيرها، وأنتِ صلاتكِ ماتضبطينها! ولا تقابلين بها ربّ العالمين
إذا ما الفائدة من العلم ؟
تجدينها تُوغل في قضايا دقيقة في الأصول وهي أكثر السُنن عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعرفها ولا تطبقها، أحاديث الترغيب والترهيب كثير منها ما تحفظها ولا تعيشها في حياتها، فلأجل ذلك يورث التشتت.
- فأنتِ عندما تطلبين العلم للعمل وتبدئين بما لا تبرأ بهِ ذمتكِ إلا بتحصيله، ويلازم كل معلومة الحد الأدنى من العمل، يكون حالكِ مختلف تماما.
- لذلك عائشة لما رأت عروة بن الزبير رضي الله عنه يُكثر من طلب الحديث منها قالت: حدثتك! قال: أريد، قالت: لا تُكثر من حُجج لله عليك يا بني!
هذه الوصية الأولى: أنك تحاولين في البدايات أنك تطلبين العلم الذي يورثك العمل، تقرئين في الصلاة، وتضبطينها بكل سننها، وبكلّ ما يؤهلها بأن يقبلها ربّ العالمين، ثم تقرئين في السنن الرواتب، أحكامها، حرص السلف عليها، ثم تقرئين في السنن اليوم والليلة، أذكار الصباح والمساء، تشغلين نفسك بحفظ الأذكار.
- كثير من طالبات العلم إذا جاءت تقول أذكار الصباح والمساء تمسك كتابًا!
أين الحفظ؟
- ابدئي احفظي الأذكار التي تقال في دعاء الاستفتاح، أذكار ما بعد الوضوء، احفظي، ودوّني لك جدولاً، هذا حفظته، هذا أتقنته، ابدئي غيّري من الأذكار في الصلاة؛ حتى يحضر قلبك.
اعلمي هذا الذكر متى يُقال، أذكار الركوع، أذكار السجود، أذكار ما بعد التسليم، هيئات التسبيح،
فجميع هذه الأمور بما أنها ألزم شيء لكم، بدأتوا فيها؟
- إذا صح تديّنك بالدليل ابدئي بالزيادة، ودائما غلّبي جانب الرفق؛ لأن المنبتّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.
- دائماً اجعلي حفظ القرآن يلازمكِ، سمعتُ أحد العلماء السلفيين في المغرب قال كلمة استحييت حينها هل سمعها أحد غيري أم لا!
كان يتلكم عن المنهجيّة في طلب العلم، ثم سؤل سؤالًا: هل أبدء في طلب العلم وأنا لم أختم القرآن؟
فـ سكت! وقال: لم تختم القرآن! تطلب العلم لماذا؟
أحد يطلب العلم ولم يختم القرآن؟!
وطبعا لم يتكلم عن طلب العلم الذي لاتصح العبادة إلا به، فهذا واجب، لكن العلم الذي يكاثر به العُلماء، العلم الزائد عن الحد المطلوب،
قال: لا تبدأ، ارجع إلى كتاب الله، ومت وهو على صدرك، فإذا مت وهو على صدرك فستجد خيرًا عظيمًا.
- فلا تهملون القرآن يا بناتي، اجعلي القرآن معكِ طوال خُطة الطلب..
ذكرت لي أحد الأستاذات: أنها كتبت لنفسها خطة في طلب العلم تزيد عن عشرين ساعة!
كلّما أتقنت شيئًا وضعت عليه علامة
- ما لم يُقضَ اليوم يُقضَ غدًا؛ لأني أصلا وأنا أطلب العلم أتلذّذ، وأعمل، هو ليس شيئًا ينتهي!
المشكلة أنكِ تعتقدينه أنه شيء ينتهي، تأكلينه مثلا مثل الوجبة وينتهي!
لا، هذه حياة، مستمر معك إلى الممات.
فعليك بالرّفق، وعليكِ بالبدايات بالعلم الذي يورث العمل، والذي تحتاجين إليه فيما يبرىء الذمة، والزيادة تكون بحسبها.
- فكلما وجدتِ نفسكِ أنك ضبطتِ شيئًا أوجب، ابدئي بالذي يليه، والذي يليه، ثم تجدين نفسك قد أورثك العلم خشية ورغبة.
- الشيخ ابن عثيمين مات ومكتبته لما صُوّرت صغيرة! لا تملأ هذه الغرفة!
وتجدين طالبَ علم مُبتدئ مكتبته أكبر بمرتين من هذه الغرفة! لكن لاحظي الفرق!
ابن عثيمين إلى الآن ميت الأحياء وحيّ الأموات، وبعض طالبات العلم ميت الأحياء عياذًا بالله كالشيطان الأخرس، تجدينها طالبة علم وشريعة وليس لها أي أثر ولا دور ولا بركة، حتى على أقرب الناس لها، وإذا سُئلت عن أدقّ المسائل قالت: هاه هاه لا أدري!
وابن عثيمين ميت منذ أكثر من ١٥ سنة ولا تزال البركة العظيمة في علمه وكتبه.
- البركة يابناتي بالعمل، واقرؤوا في سير العلماء كيف تحوّل العلم إلى منهج حياة .
- والله يا بناتي إذا عشتوا في العلم ما كُنتم ممن كان أمره فُرُطًا، ولا عشتم هذا التشتت.
- الزمي منهجية معينة في الطلب، كتاب (العلم) لابن عثيمين رائع ذكر المرحلة الأولى في الطلب، و ما بعدها، لا تستهينين بها ولا تستقلّينها، من حُرم الأصول حُرم الوصول، والبدايات مهما كانت قليلة ونفسك تعرض عنها تريد الأكبر، الزمي البدايات الأقل فالأكثر فالأكثر، حتى يكتمل البناء؛ كما يفعل أهل الدنيا بدنياهم.
- تحملي الصعوبات في البداية، واجعلي لك ورد من القرآن وخطة طويلة المدى وقصيرة المدى في حفظ القرآن، والحد الأدنى من التفسير الذي تفهمين بهِ عن الله مُراده جل جلاله.
- ومن أعظم الكتب التي أوصيكم بها، وأرى أن لها أثرًا كبيرًا جدًا في الاستقامة (كتاب زاد المعاد) إذا قرأتيه بنيّة الاقتداء والعمل، من أعظم الكتب تأثيرًا في النفوس؛ لأنك تعيشين مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ا.هـ.