هو طلب الستر والتجاوز عن الذنب ، وقد أثنى الله
سبحانه وتعالى على المستغفرين في كتابه فقال (والمستغفرين بالأسحار ) ( آل عمران : 17)
{ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } النساء110 .
فإن للاستغفار مزيد فضل على غيره من العبادات ، إذ لاتقتصر بركته على محو
الخطايا وتكفير السيئات ، بل يمتدّ خيره إلى السماء فتنزل أمطارها ، وإلى الأرض فتنبت زروعها
وثمارها ، ويحصل به النماء في الذريّة ، والقوّة في العُدّة ، والدلالة على ذلك من قوله تعالى :
{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } نوح : 10 –12
فمن هنا : لم يكن غريبا أن ترى الأمر بالاستغفار في كثير من الآيات الكريمات ، ولم يكن غريبا أن يتكرر
الاستغفار على لسان كثير من الأنبياء والمرسلين ، بل كان نبينا صلى الله عليه وسلم يُعدّ له في
المجلس الواحد مائة استغفار ، كما ورد في سيرته .
ولا يكون الاستغفار صادقا إلا حين يصدر من قلب مؤمن مستحضر لجلال الرب وعظمته ، نادم على ما
كان منه من تفريط وتقصير ، عازم على التوبة والإنابة، وإلا فهي توبة جوفاء ، لا تنفع صاحبها .
ا
ثم إن أعظم أسباب المغفرة وأجلّها تحقيق جوانب التوحيد ، والإتيان به على أكمل وجه ، وقد أعلمنا ربنا
بذلك في كتابه حينما قال : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )
(الأنعام : 82 ) ،
حديث قدسي عن الاستغفار مع الشرح
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
قال الله عزوجل : يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو
بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ،
ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة (رواه الترمذي ، وقال : " حديث حسن صحيح" ).
الشرح
بين يدينا حديث يأسر القلب ، ويأخذ بمجامع النفس ، يستمطر الدمع ، ويهيّج في الوجدان مشاعر التوبة
والرجاء ، لتتلاشى معه أسباب اليأس والقنوط ، إنه هتاف سماويٌّ لو تردد في جنباتنا لأفاض عليها
شوقا وحنينا إلى خير من مُدّت إليه الأيادي ، ولهجت بذكره الألسنة ، فيالها من موعظة ، ويالها من تذكرة .
لقد جاء الحديث ، ليزفّ إلى الناس البشرى ، فرحمة الله واسعة ، وفضله عظيم، لا يقف عند حدّ ، ولا
يحصيه عدّ ، فغدا هذا الحديث إبهاجا للتائبين ،وأملاً للمذنبين ، وفرصة لمن أسرف على نفسه
بالمعصية ، أو فرّط فيما مضى من حياته ، ولعلك – أيها القاريء الكريم – تدرك بذلك سر المكانة التي
حازها هذا الحديث دون غيره ، حتى إن كثيرا من العلماء ليرون أنه أرجى حديث في السنة كلها .
وتتجلّى معالم الحديث في بيانه لأسباب حصول المغفرة ، ويأتي الدعاء في مقدّمة تلك الأسباب ، والدعاء
قربة عظيمة ، وصلة مباشرة بين العبد وربّه ،وهي سلاح المؤمن الذي يتسلّح به في الشدائد
والكربات .